تتوالى إنجازات المنتخبات السنية المغربية بشكل لافت ، في مشهد غير مألوف في تاريخ كرة القدم الوطنية . منتخب أقل من 17 سنة بلغ نهائي كأس إفريقيا ، ثم بصم على مشاركة جيدة في كأس العالم ببلوغه ربع النهائي ، قبل أن يتوج مؤخرًا بلقب القارة ويضمن تأهله للمونديال مجددًا . منتخب أقل من 20 سنة بلغ نهائي كأس إفريقيا الجارية وضَمِن بدوره التأهل لكأس العالم ، فيما توج منتخب أقل من 23 سنة بكأس إفريقيا وحقق برونزية أولمبياد باريس 2024 في إنجاز تاريخي.
هذا التراكم في النتائج يطرح سؤالًا جوهريًا : هل نحن أمام نهضة حقيقية في القاعدة الكروية المغربية ؟ وهل لهذه الإنجازات أثر فعلي على مستقبل كرة القدم الوطنية؟
ما تحقق ليس وليد الصدفة ، لكنه أيضًا ليس نتاج منظومة تكوين مثالية . الحقيقة أن النجاحات الأخيرة جاءت بفعل توازن دقيق بين مسارين : تطور نسبي في التكوين المحلي من خلال بعض الأكاديميات والأندية ، وعلى رأسها أكاديمية محمد السادس ، مقابل سياسة محكمة لإستقطاب المواهب مزدوجة الجنسية من أوروبا في سن مبكرة . هذا المزيج خلق منتخبات شابة تضم طاقات صقلت مهاراتها في مدارس كروية احترافية بالخارج ، إلى جانب لاعبين تدرجوا محليًا داخل مشروع بدأ يخطو بثقة نحو البناء القاعدي.
أهمية هذه النجاحات لا تقف عند حدود التتويج ، بل تكمن في ما تفتحه من آفاق جديدة . منتخبات الفئات السنية ليست مجرد محطات مرحلية ، بل هي الركيزة الأولى لبناء منتخب أول تنافسي ، متماسك ، ومتشرب لروح القميص الوطني منذ المراحل الأولى . كما أن النجاح في القاعدة يمنح الجامعة هامشًا أكبر للإختيار ، ويُقلل من فجوات الأجيال ، ويُوفر أسماءً جاهزة فنيًا وذهنيًا لخوض التحديات الكبرى.
المكاسب تمتد أيضًا إلى مستوى الثقة . الثقة في قدرة اللاعب المغربي ، داخل الوطن وخارجه ، على التألق في أعلى المستويات منذ سن مبكرة . والثقة في أن المشروع الكروي الوطني ، إذا ما تم الحفاظ على استمراريته ، قد يتحول إلى نموذج حقيقي في إفريقيا والعالم العربي.
لكن النجاح لا يساوي بالضرورة الاستمرارية . ما تحقق يجب أن يُستثمر ، ويُبنى عليه ، ويُحاط برؤية واضحة تُرافق هذه الأجيال إلى المرحلة المقبلة . دون ذلك ، قد تبقى هذه اللحظة مجرد ومضة في مسار طويل ، بدل أن تكون نقطة انطلاق لمرحلة جديدة في تاريخ الكرة المغربية.
ما نشهده اليوم من صعود لافت للفئات السنية هو بداية ممكنة.. لا أكثر ، لكنها بداية تستحق الرهان.