رغم الزخم الذي تعرفه كرة القدم المغربية على مستوى النتائج القارية وتطوّر البنية التحتية ، تظل إشكالية إدماج المواهب الشابة في البطولة الوطنية مطروحة بقوة ، خصوصاً في ظل تراجع عدد الأسماء الصاعدة التي تجد لنفسها مكاناً دائماً في تشكيلات الفرق الأولى.
تشير المؤشرات الأخيرة إلى أن أغلب الأندية تعتمد بشكل كبير على لاعبين متمرسين ، أو على أسماء تم انتدابها من الخارج ، ما يطرح تساؤلات حقيقية حول جدوى مراكز التكوين التابعة للأندية ، ومدى استعدادها الفعلي لضخ لاعبين جاهزين للمنافسة على أعلى مستوى.
في المقابل ، هناك تجارب خجولة أظهرت أن الرهان على الشباب يمكن أن يكون مربحاً . نجد أمثلة متفرقة للاعبين شباب نجحوا في فرض أنفسهم داخل فرق مثل الفتح الرباطي ، حسنية أكادير أو إتحاد تواركة ، لكن هذه الحالات تظل استثناءات ولا تعكس سياسة ممنهجة أو رؤية واضحة لدى الأندية.
ومن النماذج الصارخة التي تكشف هشاشة تعامل الأندية مع مواهبها ، قصة الحارس الشاب ريان أزواغ البالغ من العمر 17 سنة ، والذي تألق بشكل لافت في عدة مباريات رفقة اتحاد طنجة ، مُظهراً نضجاً كبيراً بين الخشبات الثلاث رغم حداثة سنه . غير أن هفوة في مباراة رسمية كانت كفيلة بإبعاده فوراً وإعادته إلى فئة الشباب ، في مشهد يلخص بوضوح كيف أن غياب الثقة والاستمرارية قد يبدد مسار لاعب واعد في لحظة . لا مجال للخطأ حتى بالنسبة لحارس في طور التكوين ، في بطولة تدّعي تطوير المواهب لكنها لا تحتمل أخطاءهم.
واقع البطولة يعكس أيضاً معضلة مزدوجة : من جهة هناك تخوّف مستمر لدى المدربين من المجازفة بإقحام لاعبين تنقصهم التجربة ، في ظل ضغط النتائج وقصر نفس الأندية . ومن جهة أخرى ، يجد اللاعب الشاب نفسه مطالباً بإقناع فنيًا في ظرف زمني ضيق ، دون إطار حقيقي يساعده على التطور التدريجي.
الأندية المغربية مطالبة اليوم بأن تعيد النظر في طريقة إدارتها للموهبة . الاستثمار في الشباب ليس خيارًا تجميليًا أو ظرفيًا ، بل يجب أن يتحول إلى ركيزة استراتيجية تضمن استمرارية التنافس وتفتح الباب أمام جيل جديد يمكن أن ينهض بالمنتوج المحلي.
الرهان على الشباب يجب ألا يبقى شعاراً يرفعه المسؤولون في بداية كل موسم ، بل سياسة فعلية تنعكس على أرضية الملعب ، في اختيارات المدربين ، وفي طريقة الاشتغال اليومية داخل مراكز التكوين.
فهل سنرى في المستقبل القريب بطولة تعج بالأسماء الشابة التي تمثل فعلاً مشروع كرة قدم وطنية حقيقية ؟ أم أننا سنظل رهائن لثقافة اللاعب الجاهز مهما كان الثمن ؟