سطر أشبال الأطلس أجمل صفحات تاريخ كرة القدم المغربية مساء اليوم في سانتياغو. ففي نهائي كأس العالم فيفا (تحت 20 عاما) الذي تحتضنه الشيلي 2025، حقق الشباب المغاربة إنجازاً مدوياً بفوزهم 2-0 على المنتخب الأرجنتيني العريق، ليؤكدوا بذلك صعودهم الصاروخي على الساحة الدولية. لقد كانت لحظة فخر لا توصف هزت مشاعر بلد بأكمله. تفاعل المغاربة كان كبيرا رغم الفارق الزمني بين سانتياغو و الرباط، و الجماهير الساهرة قررت مناداتهم “أسود الأطلس” بدل “أشبال الأطلس”، وهو لقب بات مستحقاً بفضل شجاعتهم وموهبتهم وعزيمتهم التي لا تلين.
لقد كانت المباراة تحفة تكتيكية، أدارها محمد وهبي ببراعة فائقة. وبلا منازع، كان رجل المباراة هو الزبيري، مسجل هدفي الفوز. سيظل الهدف الأول محفوراً في الذاكرة بالنظر للدراما التي صاحبته. كان افتتاح التسجيل مذهلا و تاريخيا؛ فبعد خطأ أمام منطقة الجزاء، استعمل محمد وهبي، بكل ثقة البطاقة الخضراء، طلب مراجعة تقنية حكم الفيديو المساعد (الفار) للتأكد من الخطأ.
ليحتسب بذلك الحكم ضربة حرة مباشرة. تحمل الزبيري المسؤولية وسدد كرة صاروخية بدقة عالية استقرت في الشباك (1-0، الدقيقة 12)، تاركاً الفريق الأرجنتيني تحت الصدمة ومانحاً المغرب الهدف الأول الذي طال انتظاره.
جاء الفصل الثاني من هذا النصر قبل انتهاء النصف ساعة الأولى من المباراة، وكان ثمرة لعمل جماعي رائع. ففي هجمة جماعية سلسة ومثالية، أرسل الجناح الموهوب عثمان معما (المتوج بجائزة الكرة الذهبية لمونديال الشباب) عرضية حاسمة، وجدت الزبيري (المتوج بالكرة الفضية) حاضراً داخل منطقة الجزاء. و أظهر المهاجم المغربي استباقاً وهدوء أعصاب استثنائيين، ليُنهي الهجمة بتحرك رائع وتسديدة قوية سكنت شباك الأرجنتين (2-0، الدقيقة 29). هذا الهدف، دون به الزبيري ثنائية و حسم مصير المباراة وأنهى آمال الألبيسيليستي. و بالتأكيد فإن ثنائيته الثمينة لن تنسى، فقد أهدى بها لقباً عالمياً للمغرب.
بعد شعوره بالإحباط، أجرى مدرب الأرجنتين دييغو بلاسينتي تغييرًا تكتيكيًا، حيث استبدل فالنتينو أكونيا بماتيو سيلفيتي. حاول المنتخب الأرجنتيني الرد ببرستياني الذي انطلق و سدد، لكن حارس المرمى المغربي إبراهيم غوميس أنقذ فريقه بتصدٍّ رائع بفخذه.
و حاول سيلفيتي ايضا تقليص الفارق، لكن تسديدته مرت فوق العارضة. ثم سنحت لمعما فرصة حسم المباراة، لكن محاولته تصدى لها دفاع الخصم في اللحظات الأخيرة.
في الشوط الثاني، وفي مواجهة الضغط المتزايد من “الألبيسيليستي”، أظهر “أشبال الأطلس” نضجاً تكتيكياً كبيراً.
ضغط الأرجنتينيون عل الدفاع المغربي وخلقوا عدة فرص واضحة، لكن زبيري رد بعد دقائق قليلة بتسديدة مرت فوق العارضة في الدقيقة الثامنة و الأربعين.
و بالرغم من محاولات الفريق الخصم زعزعة الفريق الوطني، باختلاق مشادات تارة، والمطالبات المتكررة، والمفرطة أحياناً، من المدرب الأرجنتيني باللجوء إلى تقنية الفار للمطالبة بضربات جزاء وهمية،
حافظ المغاربة على هدوء أعصابهم وتمسكوا بتقدمهم حتى صافرة النهاية. يُعد الفوز 2-0 على الأرجنتين في نهائي مونديال الشباب تحت 20 عاماً إنجازاً سيتردد صداه لعقود. لم يكتفِ رجال محمد وهبي برفع الكأس فحسب، بل أثبتوا للعالم قوة كرة القدم المغربية وصعود جيل ذهبي جديد.
لقد وصل منتخب شبان المغرب إلى القمة العالمية في فئته، وصدى هذا الأداء، الذي تميز بسحر الزبيري و معما و جاسم و باقي العناصر، بالإضافة إلى رؤية الطاقم الفني بقيادة محمد وهبي، هو مصدر إلهام لجميع الشباب في القارة. لقد أصبح “الأشبال” “أسوداً”، و اسمهم في التاريخ صار خالدا.